افتراضي
حذاءٌ عابرٌ للقارات ..!
حذاء عابر للقارات ..!
حاصر حصارك .. لا مفرُّ
سقطت ذراعك فالتقطها ..
واضرب عدوك لا مفرُّ ..
وسقطت قربك فالتقطني
واضرب عدوك بي
فأنت الآن حرُّ .
حرٌّ وحرُّ ..
( محمود درويش )
المؤكد أن الرئيس بوش لم يتوقع هذا الشكل من "الحفاوة" في عاصمة الرشيد , تلك المدينة التي أجهز المغول الجدد على كل شيء جميل فيها تقريباً ,إلا العنفوان والكبرياء الذي يعمر صدور أبنائها .. فها هو منتظر الزيدي يعاجل بوش بفردتي حذائه , لتعبرا فوق رأس الرئيس الذي أحسن الانحناء السريع لمرتين متواليتين , مظهراً قدراً مصطنعاً من التماسك وعدم المبالاة , أمام مفاجأة لم تكن متوقعة .. لكن حذاء "منتظر" أصاب علم أمريكا وهو على ساريته وأمام الرئيس الذي أدى قسم خدمة العلم وصيانته دون أن يستطيع هذه المرة أن ينافح عنه إلاّ بالاختباء ..! فاهتزت نجومه الخمسين وربما , أيضاً , نجمته الواحدة والخمسين المدللة .. الحاضرة الغائبة .. فلم يكن بوش يتوقع هذا الشكل من الوداع في عراق مدجج بقواته واستخباراته , وبسلطة "وطنية" شكلية من صنع يديه .. كان رتب أمرها في بلد استباحه أرضاً وإنساناً ونخيلاً وماءً وتاريخاً وحضارة ..
دمر وحرق وقتل واغتال وعذب ..وسرق ما وصلت إليه أيدي قواته وشركاته تحت الأرض وما فوقها ..
بَََحثَ بوش كثيراً عن أسلحة دمار شامل خاف منها .. عن صواريخ بعيدة المدى تطال مصالحه وأذنابه هنا وهناك .. لكنه فوجئ بسلاح لم يحسب له أي حساب لا يلتقطه الرادار أو الأقمار الصناعية , ولا ترصده أجهزة الاستشعار والمراقبة .. ففوجئ بحذاء الزيدي العابر للقارات .. نعم .. لقد عبر حذاء منتظر القارات بعد ثوان من عبوره فوق رأس بوش .. لتتحول دبلوماسيته الوداعية المكوكية , إلى دبلوماسية الأحذية الطائرة ..ولتختتم مسيرته ببصمة حذاء سوف يدخل تاريخ بوش السياسي , بل وتاريخ أمريكا أيضاً من الباب العريض ..
لقد خرج منتظر من القاعة حافي القدمين , ولسوف تستقبله قبضات وهمجية الحرس الأصيل والوكيل .. لا فرق .. لكن منتظر هذا سوف يدشن شكلاً جديداً من السخط والاحتجاج الذي يليق ببوش وأصحابه وأمثاله .. من الطغاة والقتلة ..
ولكن قل لي يا منتظر .. هل يكفي حذاؤك هذا ليرد بعضاً من " فضائل "
و"جمائل" بوش وإدارته على العراق والعراقيين .. على ما حصدت آلته الجهنمية من نساء وأطفال وما دمرت من مدنه وقراه .. وخربت ونهبت من تاريخه وأوابده وثرواته ونخيله ؟؟ وأتساءل :
إذا تخلى الرئيس الأمريكي عن سياسة الهمجيته المعروفة بحق المعتقلين في
العراق وتصرف بشيء من التحضر , فأمامه عدة خيارات كلها صعبة وحرجة :
أولها : دعوة مجلس الأمن لاستصدار قرار بحق الصحفي ومن والاه تحت الفصل السابع .. بعد أن ثبت عبور حذاء الزيدي للقارات وصُنفَ أنه من أسلحة الدمار الشامل
للمعنويات على الأقل . وهذا احتمال ضعيف لرئيس ختم حياته بالخيبات والإخفاقات .
ثانيها : أن يستصدر قراراً من الكونغرس الأمريكي يفرض بمقتضاه على الصحفيين الذين يحضرون مؤتمرات الرؤساء الأمريكيين أن ينتعلوا أنواعاً خاصة من الأحذية المطاطية الخالية من المواد الصلبة أو حضور هذه المؤتمرات حفاة ودون أحذية .
ثالثها : اللجوء إلى القضاء بعد البت بتعيين المرجع , وعليه أن يصطحب الدليل الحسي على "الاعتداء" الذي استهدفه إلى المحكمة .. وبالتالي أن يحمل إليها حذاء منتظر كأداة ودليل جرمي , أو أن يكلف أحد الأعراب من تابعيه بهذه المهمة .
على أية حال .. فإن الرئيس الأمريكي معذور في بلادنا فليست كلها عراق .. . فقد وجد الكثير من المفارقات في دنيا العرب , و تعوَّد أن يتسلم ليس السيوف العربية المرصعة بالذهب والماس فقط .. بل مفاتيح المدن والعواصم العربية التي يزورها .. وأن يُفرش له السجاد الأحمر .. وتُقدَّم له باقات الورود , رغم كل جرائمه بحق العرب والعروبة ..
فهو لم يكن يتوقع انتظاراً كهذا من عربي مفعم بالكبرياء .. إنه منتظر الزيدي .. ليتوج أيام بوش الباقية بما يليق به من حفاوة ..
تحية لك يا منتظر .. وسننتظر إطلالتك المظفرة .. وإن كان لنا عتب عليك .. فلم تكن عادلاً .. فـ الأقربون أولى " بالمعروف " يا صديقي .
ولـبوش أقول : لكَ العذر أيها الرئيس .. فأنت لم ترَ في العراق إلا بعين رئيس شركة نفطية لما هو في باطن الأرض .. وبعين الهمجي لما فوقها من أوابد ومعالم حضارية , لهذا فقد غبطت العراقيين بالنابالم .. واليورانيوم المنضب , وأفسدت الهواء , والماء , والنخيل , وحياة الإنسان , وأضفت لأنهار العراق الخالدة نهراً من الدماء ..
سيؤرقك هذا الحذاء كثيراً يا بوش .. سيأتيك في أحلامك أيضاً , وسوف يؤرق الكثيرين من مريديك وزبانيتك .. وسوف يحتل هذا الحذاء عقل كل مسؤول أمريكي يزور العراق مستقبلاً , وتكون الأحذية هاجسه الأول في مدينة السلام.
لكنني أخشى أن يكون حذاء منتظر حاضراً على جدول أعمال لجان الداخلية والأمن في أكثر من بلد عربي ..!
بالطبع سيدخل حذاء منتظر موسوعة " غينيس" كأول حذاء يعلو رأس رئيس أعظم دولة في العالم ..
وستُنشأ معامل أحذية باسم " أحذية منتظر" كأضخم وأشهر ماركة أحذية ــ من القطاع الخاص طبعاً ــ لأن القلائل من الحكومات التي تتجرأ على إزعاج العم سام .... وبماركتين مسجلتين طبعاً :
واحدة للدفاع المحلي .. لرد ظلم ذوي القربى
وأخرى عابرة للقارات ..
وأتوقع أن يُعقد مزاد علني دولي على حذاء منتظر .. ينافس أغلى وأفخر المقتنيات والكنوز ...
بقي أن أشير إلى أنها المرة الأولى التي يلجأ فيها صحفي إلى وضع قلمه وميكرفونه جانباً ــ بمواجهة من لا يفقهون إلا لغة القوة بالوسائل المتاحة طبعاً ــ ليؤرخ بحذائه نهاية مسيرتهم السياسية غير السعيدة ..
لكنني أخشى أن هذا الغرب المتسلط لن يبقي لنا ــ ولم يبقِ بالطبع ــ إلاّ هذه الوسائل
في المقاومة بعد أن جردنا من كل عناصر القوة والفعل وجعل بلادنا منزوعة السلاح بشكل أو بآخر نثور بالحجارة تارة وبالأحذية تارة أخرى ونستقبل قنابل الطائرات
والصواريخ بلحم أبنائنا ..! ومع هذا نقول :
تحية لـ "منتظر" .. وتباً للطغاة وأذنابهم .
موضوع: 7da2 3abr alkarat 
الجمعة ديسمبر 19, 2008 1:33 pm